تحميل كتاَب البحيرة السوداء pdf

رواية البحيرة السوداء pdf تأليف هيلا هاسه، ترجمة أمينة عابد.. إن مرحلة الطفولة تخلو من النزاعات الكبرى التي يدركها الناس ويشعلون الحروب من أجلها، الطفولة خالية تمامًا من أي وعي بالأحداث والتاريخ، ويجهل الأطفال طبيعة العداء الناشب بين الكبار.. ولكن عندما تنقضي فترة الطفولة تتبدد البساطة وتتلاشى المتعة والجمال الذي خيّم على كل الأحداث، ولا يسع الإنسان بعدها أن ينفصل عن الأحداث أبدًا.. وهذا بالضبط ما سنراه محققًا في الرواية الملهمة التي بين يدينا. تدور أحداثها في جزيرة جاوة في إندونيسيا، هناك حيث أمضى صبيان فترة طويلة من حياتهما، إنهما صديقان مقربان، يحبان بعضهما البعض، ويقضيان وقتًا طويلًا من اليوم معًا في استكشاف البحيرات والبيئة والطبيعة الخلابة، أحدهما هو ابن رجل هولندي، صاحب مزرعة شاي، والآخر هو ابن رجل بسيط يعمل لدى هذا الزعيم الهولندي كما أن أمه هي الخادمة الخاصة بأسرة نفس الرجل.. لم يفطن الصبيان لكثير من التفاصيل حول السكان الأصليين وحول هولندا الاستعمارية، وكيف وصل أمثال هذا الهولندي إلى أرضهم وأصبح له مزرعة يعمل فيها الكثير من الخدم.. كانت هذه الحالة بعيدة تمامًا عن تفكيرهما، ولكن الرجل الهولندي كان قلقًا بسبب علاقة ابنه بهذا الصبي.. فهو يعلم أنهما سيكبران يومًا، ولن تستمر الصداقة طويلًا.

هذا الصبي الذي ينتمي إلى السكان الأصليين، اسمه أوروخ، كان يحظى بفرصة نادرة في التعليم والدراسة، وبذل جهدًا واسعًا حتى يدفع الجهل عن نفسه ويكمل دراسته، حاول أن يكون هولنديًا كما يرى الأثرياء من حوله، ولكنه عجز عن ذلك، واستسلم في النهاية لقوميته والانتماء المزروع بداخله إلى أرضه وبلده.. وسرعان ما بدأ يتشكل وعيه حول حقيقة الصراع، وتشرب فلسفة القومية المعادية لهولندا المحتلة.. وقتها كان هذا الصبي برفقة أهله قد غادروا المزرعة وعادوا إلى بلادهم، ولكن الحرب العالمية الثانية نشبت واشتعل العالم كله، وشعر هذا الصديق القديم برغبة في العودة إلى المكان الذي يحمل الكثير من ذكريات الطفولة، وعاد ليجد المفاجأة.. التقى بصديق طفولته، أوروخ، ولكن هذه المرة لم تشفع لهما الصداقة ولا ذكريات الطفولة، إنه الآن أندونيسي يدرك قضية بلده ضد الهولنديين المستعمرين، وهو الآن مسلح ومستعد للقضاء على الأعداء.. ومن بينهم هذا الصديق.

“تعثرت بكلماتي، أخشى أنني أخبرتها قصة مشوّشة، ولكن كيف لي أن أشرح لها بكلمات قليلة من يكون أوروخ وماذا يعني لي؟ كان أوروخ صديقي الإنسان الوحيد الذي عشت معه منذ ولادتي تقريبًا، الذي شاركته كل مرحلة من مراحل حياتي، وكل فكرة وكل حدث. ليس هذا فحسب، كان أوروخ أكثر من هذا، أوروخ يعني -مع أنني لم أستطع أن أعبر عن ذلك بالكلمات في ذلك الوقت- الحياة في كيبون دجاتي وما حولها، الرحلات الجبلية، اللعب في الحقول وعلى صخور النهر، السفر بالقطار، الذهاب إلى المدرسة، ألف باء حياتي في الطفولة.
شرح لي أبي باختصار أن أوروخ سيبقى في المزرعة، ثم قال: يستطيع أن يذهب إلى المحطة سيرًا على الأقدام، إنها لا تبلغ ذلك المبلغ من البعد، وإذا اعترضته مشكلة، نستطيع إيجاد حل مناسب لها، لذلك لا داعي للقلق”.